إعادة شراء الأسهم .. متى تتفوق معلومات الإدارة على قدرات المحللين؟
في سبيلها لتعظيم القيمة وإعادة الثروة إلى المساهمين، تسعى إدارات الشركات إلى إعادة شراء أسهمها المطروحة في البورصة، عن طريق الكاش المتوفر لديها أو حتى عبر الديون إذا لزم الأمر.
عبر هذه الممارسة – المثيرة للجدل – تقلل الشركة عدد الأسهم القائمة التي تستحق توزيعات الأرباح، وبالتالي يترتب على ذلك، زيادة حصة المستثمرين، علاوة على أنها تساهم أحيانًا في زيادة سعر السهم.
وفي السنوات الأخيرة، أثيرت انتقادات واسعة بشأن هذه العملية، باعتبارها وسيلة للتلاعب (أحيانًا تعلن الشركات إعادة شراء الأسهم فقط لتتسبب في زيادة سعرها، وفي النهاية لا تنفذه)، لكن الاتهام الأكثر شيوعًا الموجه لها، أنها كانت سببًا في تأجيج “عدم المساواة“.
الأكثر من ذلك، أن هناك اعتقادًا بأنها تشكل مصيدة للإيقاع بالمستثمرين الهواة؛ إذ تشكل بالمقام الأول تشويهًا للسوق وقيمة الأسهم الفعلية كونها تشكل طلبًا غير منطقي على الأسهم، وأيضًا قد تشكل ميزة للأشخاص المطلعين على اتخاذ القرارات داخل الشركات، ما يمكنهم التصرف في أسهمهم (سواء بالبيع أو الشراء) قبل الإعلان عن إعادة الشراء.
الجدل حول هذه الممارسة ممتد منذ سنوات، وفي سبيل ذلك، أُخضعت للتقييم والمراجعة من قبل الخبراء والباحثين، وبعيدًا عن الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، عكف أساتذة الاقتصاد والمالية في كلية “إنسياد” للأعمال على دراسة وفهم أفضل طريقة لانتقاء الشركات التي تحسن عملية “إعادة شراء الأسهم.
مركزية الشبكة
– ترتبط بعض الصناعات ببعضها بطرق لا تعد ولا تحصى، وتشكل هذه الروابط فرصة للمحللين الماليين من أجل تتبع مسارات المعلومات، فمن خلال النظر في كيفية أداء الموردين أو العملاء من الصناعات الأخرى، يمكن للمحلل إجراء تنبؤ مستنير حول إعلانات الأرباح القادمة.
– كلما زاد عدد الروابط مع الصناعات الأخرى التي تمتلكها الشركة، زادت “مركزية الشبكة” لديها، فيما تميل الشركات التي ليس لديها العديد من الروابط بصناعات أخرى، مثل شركات البرمجيات التي تنشئ أنظمة السحب، إلى البقاء ضمن نفس الصناعة بحيث يكون لديها مركزية شبكة منخفضة.
– نظرًا لأن تجارة الجملة تعتمد على العديد من الموردين والعملاء وروابط النقل، فإنها تتمتع بمركزية عالية للشبكة، وبالنظر إلى تأثير التموج (قدرة الصناعات على التأثير في بعضها البعض بسبب الروابط القوية) على صناعة النفط، فإنه حال وفرت هذه الشركات فائضًا من البنزين، فإن أسعار النفط تنخفض.
– في ورقة بحثية لكلية “إنسياد” لإدارة الأعمال، حاول الباحثون دراسة العلاقة بين عمليات إعادة شراء الأسهم ومركزية الشبكة المشار إليها، عندما تقوم شركة ما بإعادة شراء أسهمها، فذلك بشكل عام لأن المديرين يعتقدون أن أسهمهم مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية.
– إنهم (المدراء) يعتقدون أن لديهم معلومات أفضل من الأسواق، ولا سيما تلك الخاصة بالمحللين الذين من المفترض أن يجعلوا الأسواق أكثر كفاءة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو “متى يتمتع المدير بميزة تنافسية للمعلومات على هؤلاء الخبراء”.
الروابط والعوائد
– عمليات إعادة الشراء من قبل الشركات الصغيرة تتبعها عوائد فائضة أعلى لأن الشركات الصغيرة أقل احتمالًا أن يتعقبها محللون، وينطبق نفس الاستنتاج على الشركات ذات التقلبات المرتفعة الخاصة بها حيث من المرجح أن تكون مدفوعة بمعلومات خاصة بالشركة.
– أيضًا، تتنبأ مقاييس التقييم البسيطة مثل نسبة السعر السوقي للسهم إلى قيمته الدفترية، وانخفاض أسعار الأسهم قبل إعلان إعادة الشراء، بالعائدات الزائدة على المدى الطويل.. لكن هل تعد مركزية الشبكة مقياساً آخر للتنبؤ بعد هذه المؤشرات؟
– في هذا البحث الأخير لـ”إنسياد”، نظر معدّوه في نوعين من المعلومات؛ الأول، الذي يسمونه “عدم الارتباط”، حيث لا توجد علاقة للمعلومات بالروابط بين الشركة والصناعات الأخرى، مثلًا، ابتكار داخلي غير معلن، عرفه المديرون وأصبح معلومة وجزءًا من عملهم؛ هم هنا لا يتعين عليهم الاستثمار للحصول على هذه المعلومات.
– من ناحية أخرى، تتضمن المعلومات المتعلقة بالروابط، العملاء الخارجين والشركات والصناعات، ويتطلب الحصول على هذه المعلومات الاستثمار وهنا يتمتع المحللون بميزة تنافسية.
– عندما يكون عدد الروابط صغيرًا، تكون هذه الميزة التنافسية منخفضة، لذلك تهيمن المعلومات الداخلية غير المرتبطة، أما عندما يصبح عدد الروابط أكبر، تصبح قيمة المعلومات غير المتعلقة بالروابط أقل أهمية، لذلك يفقد المطلعون ميزتهم التنافسية.
استراتيجية التداول المثلى
– عندما يزداد عدد الروابط بدرجة كبيرة، يصبح من المكلف للغاية بالنسبة للمحللين دمج جميع المعلومات المتعلقة بالروابط؛ ومرة أخرى، كما هو الحال في الشركات ذات الروابط القليلة، تهيمن المعلومات الداخلية (غير ذات صلة بالروابط).
– تنبأ نموذج طوره خبراء “إنسياد” بعلاقة على شكل حرف “U” بين العوائد الزائدة طويلة الأجل ومركزية الشبكة، واختبر الباحثون نموذجهم باستخدام بيانات من أكثر من 8000 إعلان إعادة شراء منذ أكتوبر 2006 إلى ديسمبر 2015.
– تماشيًا مع هذا النموذج، فإن عمليات إعادة الشراء من قبل الشركات ذات مركزية الشبكة المنخفضة للغاية ومركزية الشبكة العالية جدًا تتبعها عوائد زائدة كبيرة جدًا لمدة أربع سنوات بنسبة 26% و21% على التوالي.
– أما عمليات إعادة الشراء التي تقوم بها الشركات ذات مركزية الشبكة المتوسطة تتبعها عوائد زائدة أقل بكثير تصل إلى 10% بعد أربع سنوات.
– نتيجة ذلك، خلص الباحثون إلى مؤشر “المركزية المعززة بأقل من القيمة المستحقة” ويرمز لها بـ”CEU“، ويتراوح المؤشر من صفر إلى 8، حيث تتوافق القيمة 8 مع عمليات إعادة الشراء التي تتم بواسطة أسهم صغيرة متضررة القيمة مع تقلبات خاصة عالية ومركزية إما عالية جدًا أو منخفضة جدًا.
– تتوافق القيمة صفر مع عمليات إعادة الشراء التي تقوم بها شركات النمو الكبيرة ذات التقلبات الخاصة المنخفضة ومستويات متوسطة من المركزية، ويوضح الشكل أعلاه عوائد الأربع سنوات الزائدة (المعدلة حسب المخاطر) والتي يمكن للمستثمر الحصول عليها من خلال الاستثمار في شركات إعادة الشراء بمستويات مختلفة من مؤشر “سي إي يو”.
– على سبيل المثال، كان من الممكن أن يؤدي الاستثمار في أعلى أسهم المؤشر إلى تحقيق عوائد زائدة تتجاوز 80%، وكلما انخفض مؤشر “سي إي يو”، انخفضت العوائد.
هل يستمر الشذوذ؟
– أحد الألغاز في مجال التمويل هو أنه على مدار الثلاثين عامًا الماضية، لم تصبح الأسواق أكثر كفاءة فيما يتعلق بإعادة شراء الأسهم، الناس متشككون إلى حد كبير بشأن عمليات إعادة الشراء، ربما ذلك لأن لديهم عدم ثقة متأصلاً في المديرين، وفقًا للباحثين.
– على أي حال، تركز استراتيجية “إنسياد” على المدى الطويل، لذا فهي تتطلب الاستثمار في محفظة متنوعة من أسهم إعادة الشراء ذات الخصائص الصحيحة والتمسك بها، دون أن يتشتت انتباه المستثمر على المدى القصير بالتقلبات.
– مع ذلك، يبدو أن هذه الممارسة تعود للواجهة هذا العام في محاولة لمكافأة المستثمرين، بعد أن تراجعت عمليات إعادة الشراء لشركات مؤشر “إس آند بي 500” بنسبة 29% في العام الماضي لتسجل 520 مليار دولار تقريبًا بدفع من الشركات الأصغر حجمًا.
– لكن منذ بداية عام 2021 وحتى السابع من مايو، أجرت الشركات عمليات إعادة شراء بقيمة 504 مليارات دولار، ما يعادل تقريبًا ضعفي المبلغ المسجل في نفس الفترة من العام الماضي، والأعلى خلال نفس النطاق الزمني خلال 22 عامًا، وفقًا لـ”Pence Wealth Management“.
– قال “درايدن بينس”، كبير مسؤولي الاستثمار في “بينس ويلث مانجمنت”، إن بعض الشركات الكبرى قد تفضل إعادة شراء الأسهم، بدلاً من الاستحواذ على شركات أصغر بسبب تقييماتها المرتفعة، كطريقة بديلة لتعظيم القيمة للمساهمين.
المصادر: أرقام- إنسياد- فوربس- إنفستوبيديا